Gallery
يتقاطع مجال قياس الرأي العام ما بين علم الإحصاء باعتباره العلم المعني بقياس الظواهر الاجتماعية وكلاً من علمي السياسة والإعلام. وتحتوي المكتبة العربية على عدد غير قليل من الإسهامات في مجال الإحصاء وفي مجال الرأي العام ولكنها تفتقر إلى مؤلفات تتناول موضوع قياس الرأي العام. ويرجع هذا الافتقار إلى نقص عام تعاني منه المكتبة العربية في المجالات البينية التي تتقاطع فيها فروع العلم المختلفة. كما يرجع أيضاً إلى أن مجال استطلاعات الرأي العام في العالم العربي هو مجال مكبل بالقيود شأنه في ذلك شأن الحياة السياسية في معظم الدول العربية ومثقل بالمحظورات شأنه في ذلك شأن الحياة الثقافية في معظم المجتمعات العربية .
ولعله ليس من المصادفة أن استطلاعات الرأي العام قد نشأت في الدول الديمقراطية كتوأم للانتخابات الرئاسية والبرلمانية وساهمت في إثراء الحياة السياسية. وظهرت بحوث التسويق التجاري كرافد لاستطلاعات الرأي العام. أما العالم العربي فقد قفز مباشرةً إلى مرحلة بحوث التسويق التجاري دون أن يمر باستطلاعات الرأي العام .
واستطلاعات الرأي هي صناعة وليدة في العالم العربي يجب احتضانها وتنميتها وزيادة الوعي بأهميتها واستثارة الطلب المجتمعي على خدماتها، وخلق البيئة الصحية التي تسمح بوجود كيانات مستقلة تتوافر لها المصداقية والحرفية، تتنافس من أجل المساهمة في تنشيط إحدى الآليات الهامة في الإسراع بالإصلاح السياسي وتحديث المجتمع .
ويهدف هذا الكتاب إلى إثراء المكتبة العربية في مجال قياس الرأي العام انطلاقاً من قناعة بأن صناعة استطلاعات الرأي العام هي أحد المحركات لإحداث إصلاح سياسي يتحرك إليه العالم العربي على استحياء. وهذه القناعة تستند إلى أن عملية قياس الرأي العام تعتمد على جانبين: الأول: منهجية رصينة يجب توظيفها بحرفية للوصول إلى قياسات دقيقة لظاهرة معقدة. والثاني: اعتبارات أخلاقية يجب تطبيقها بدقة للحفاظ على خصوصية المواطنين وحمايتهم من أي ضرر يلحق بهم نتيجة لإبداء آراء قد تكون مخالفة للسياق العام .
وقد حاولنا في هذا الكتاب تغطية الجوانب المختلفة لقياس الرأي العام بحيث تعطي للعاملين والمهتمين بهذا المجال مزيجاً من المعرفة بالجوانب الإحصائية لمنهجيات القياس وأخطائه، والجوانب الإجرائية لإجراء استطلاعات الرأي القائمة على المقابلات الشخصية وعلى الاتصالات الهاتفية، والجوانب الأخلاقية والقانونية التي تحكم إجراء الاستطلاعات للحفاظ على حقوق المشاركين في استطلاعات الرأي العام .
كما تناولنا أيضاً عرضاً تاريخياً لنشأة استطلاعات الرأي العام في الولايات المتحدة الأمريكية، وتعرضنا لعلاقة استطلاعات الرأي العام بالحياة السياسية، وأفردنا فصلاً للتناول الإعلامي لاستطلاعات الرأي العام. كما لم نغفل الإشارة إلى عدد من الجوانب التطبيقية التي خبرناها من العمل في هذا المجال والتي تجعل من قياس الرأي العام مزيجاً فريداً تفرض فيه النظريات العلمية سطوتها حيناً وتتوارى أمام الصعوبات العملية أحياناً لتظهر مرة أخرى بحلول عملية رصينة لتستجيب لتحديات واقع معقد. ولما كان حيز هذا الكتاب لا يتسع إلا لأساسيات قياس الرأي العام فقد زيلنا كل فصل بقائمة من القراءات الإضافية التي تعين القارئ على الاستزادة المعرفية في المجالات التي لم يتسن تغطيتها بشكل متكامل .
وفي النهاية، أرجو أن يسهم هذا الجهد في إثراء الفكر العربي في مجال قياس الرأي العام، وفي دفع صناعة استطلاعات الرأي العام في العالم العربي خطوات إلى الأمام .