في إطار المؤتمر السنوي الخامس والثلاثين للإحصاء والنمذجة في العلوم الاجتماعية عقدت اليوم كليةالاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة ندوة بعنوان "التفاعل بين الإحصاء والسياسة: تجارب دولية". تحدث في الندوة الأستاذ الدكتور ماجد عثمان أستاذ الإحصاء بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية والرئيس التنفيذي لمركز بصيرة، وحاوره في الندوة الأستاذ الدكتور علي الدين هلال أستاذ العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة.
في بداية الندوة أشار الدكتور ماجد عثمان إلى أن الندوة تركز على العلاقة بين ممارسة العمل السياسي (السياسة) وممارسة العمل الإحصائي (الإحصاء)، وليس العلاقة بين العلوم السياسية وعلم الإحصاء. وأوضح عثمان أن العمل الإحصائي يحكمه فلسفة معينة، فهو ليس مجرد كتيب إجراءات يتم تطبيقها، ويرتكز العمل الإحصائي على عناصر تشكل فلسفة التفكير الإحصائي. وتتناول فلسفة التفكير الإحصائي مدلول وتبرير وفائدة واستخدام الإحصاءات ومنهجية بناء المقاييس الإحصائية، وتحديد مدى الموثوقية في تعميم بيانات العينة على المجتمع، ويتم ذلك اعتمادًا على اعتبارات أخلاقية ومعرفية.
والتفكير الإحصائي هو طريقة لفهم ظاهرة معقدة من خلال مقاييس كمية تحاول أن تلتقط الجوانب الأساسية لهذه الظاهرة، وتوظف هذا الفهم للوصول إلى اتخاذ قرار أفضل وإلى رسم سياسات عامة جديدة معتمدة على القرائن أو مراجعة سياسات عامة قائمة.
وتأتي العلاقة المتبادلة بين الإحصاء والسياسة من خلال قيام الإحصائيين بعمليات جمع البيانات ووصف وتلخيص البيانات وتحليل البيانات ثم إتاحة البيانات لمتخذ القرار ليبدأ دور السياسيين في اتخاذ القرارات وصنع السياسات التي تستلزم بعد تطبيقها إعادة جمع البيانات وهكذا.
وأضاف عثمان إلى أنه في أي دولة هناك فرق بين النظام الإحصائي والجهاز الإحصائي الوطني فالنظام الإحصائي يتكون من منتجي البيانات (المؤسسات الحكومية وغير الحكومية)، ومستخدمي الإحصاءات (المؤسسات الحكومية وغير الحكومية)، بينما الجهاز الإحصائي الوطني هو المنتج الرئيسي للإحصاءات الرسمية ويلعب دور هام في تحديد التعريفات المتبعة في جمع البيانات وفقاً للتوجهات الدولية.
وعرض عثمان لتاريخ مأسسة الإحصاء في مصر، كما عرض عدداً من التجارب الدولية في الدول المتقدمة والنامية التي اختلفت فيما بينها في السياق السياسي والإطار المؤسسي للعمل الاحصائي، قواعد استخدام البيانات الشخصية، واستهداف القائمين على العمل الإحصائي حيث عرض تجارب من الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا والنرويج وبولندا والاتحاد السوفيتي وتنزانيا.
وأكد عثمان في نهاية عرضه على ضرورة إحداث التوازن بين قوة الأدلة (الإحصاء) وسطوة السلطة (السياسة) من خلال حوكمة النظام الإحصائي على المستوى الدولي وعلى المستوى الوطني، وضرورة أن يلعب كل من الخبراء والأكاديميين والجمعيات العلمية والمهنية ومؤسسات المجتمع المدني الأدوار المنوطة بهم لتحقيق هذا التوازن.
وبدأ الأستاذ الدكتور علي الدين هلال كلمته بتوجيه التحية للدكتور ماجد عثمان وتهنئته بحصوله على جائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية لعام 2024، وأشار د. هلال إلى أن الممارسة الإحصائية هى رمز للدولة، وأن توافر البيانات والإحصاءات هام ومن مستلزمات الدولة إذ استخدمت البيانات تاريخياً في تنظيم الجيش وتحديد الضرائب، وفى مصر الحديثة بدأ الاهتمام بالإحصاء في عهد محمد علي وكانت هناك صلة وثيقة بين الدولة والنظام الاحصائي.
وأكد د. هلال على العلاقة الوثيقة بين الإحصاء وصنع السياسات والقرارات فوظيفة أى نظام سياسى هو وضع السياسات المختلفة كالسياسات التعليمية والصحية وسياسات التشغيل، ولا يمكن وضع السياسات واتخاذ قرار سليم رشيد بدون معلومات دقيقة وصحيحة، فكلما كانت البيانات صحيحة كلما تمكن متخذي القرار من اتخاذ قرارت سليمة، وبالتالى أى دولة لها مصلحة فى عمل إحصاءات وبيانات سليمة.
وأشار د. هلال إلى أنه مع التقدم التكنولوجي أصبحت بيانات الأشخاص وبيانات تحركاتهم وسلوكهم متاحة من خلال تطبيقات التليفون المحمول وغيره من الأجهزة الحديثة وهو ما جعل فكرة سرية البيانات الشخصية غير قائمة الآن.
وأوضح د. هلال إلى أن حرية واستقلال النظام الإحصائي تختلف من دولة إلى أخرى، وتوجد فروق واضحة بين النظم الديمقراطيية والنظم غير الديمقراطية، وأن بعض الدول أقامت نظم إحصائية غير مسبوقة فى مجالات عديدة لكسب الثقة الدولية.
ندوة "التفاعل بين الإحصاء والسياسة: تجارب دولية"Download PDF