يقيني بأن "لو" تفتح باباً للشيطان لا يقل عن يقيني بأن " ماذا .. لو ..؟" تفتح أبواباً للتدبر ولمراجعة النفس وللتمسك بالتجارب الناجحة ولتجنب الخبرات السيئة. ومن هذا المنطلق أستخدم أسلوب "ماذا .. لو ..؟" في تقييم استفتاء 2014. وسأتناول أهم ما أراه سلبي وأهم ما أراه إيجابي في عملية الاستفتاء على دستور 2014.
وقبل أن أعرض وجهه نظري أشير إلى أن أي إيجابيات تحدث يجب أن تكون الحد الأدنى لأي انتخابات قادمة وأن الإقتصار عليها دون إزالة السلبيات المذكورة سيعيد إلى الذهان سياسة الإصلاح السياسي "بالتنقيط" في مجتمع تعود مواطنوه - ومعظمهم من جذور ريفية تشكل الزراعة عماد حياتهم - على الري بالغمر وليس بالتنقيط!
السلبيات:
•ماذا لو إمتنع بعض الوزراء عن الإفصاح عن توجههم التصويتي ولم يحاولوا الترويج لرأيهم؟
وماذا لو حرص بعض المسئولين على عدم إضاعة الفرصة لإرساء قاعدة مفادها أن الحكومات يجب أن تدير العملية الانتخابية بحيادية وتجرد؟ وأنها حكومة كل المصريين حتى من يختلف معها في الرأي؟
ماذا لو كان التناول الإعلامي محايداً يعرض الرأي الموافق على الدستور والرأي المعارض له؟
وماذا لو أمتنعت وسائل الإعلام عن خطاب الكراهية وتجنبت استخدام مفردات التخوين وربطت بين الوطنية والمشاركة ولم تربط بين الوطنية والموافقة؟
وماذا لو كانت وسائل الإعلام قد خصصت – خصماً من مساحة التحريض - مساحة أكبر لشرح مواد الدستور والذي أظن أن به كثير من الإيجابيات التي لم يلق عليها قدر كافي من الضوء وهي فرصة ضائعة أخرى؟
ماذا لو وافقت اللجنة العليا للانتخابات على مشاركة أعداد كافية من مندوبي منظمات المجتمع المدني واستجابت لشكواهم من قلة عدد الموافقات؟
وماذا لو أصدرت التصاريح قبل الاستفتاء بوقت كاف (وليس فقط 48 ساعة) حتى تستطيع هذه الجمعيات القيام بعملها بقدر أكبر من الفاعلية؟
ماذا لو امتنعت قوات الأمن عن القبض على المعارضين إذا لم يكن هناك مبرراً لذلك؟ ماذا لو تم السماح بوضع الملصقات التي تدعو لرفض الدستور كما تم السماح بالملصقات التي تدعو لقبوله؟
وماذا لو كان هناك شفافية في الإفصاح عن مصدر تمويل هذه الملصقات؟
أعلم تماماً أن المناخ السياسي المشتعل وحالة الاستقطاب الحادة لا تسمح بالتفكير الهادئ، وأن بعض من سيقرأون هذه التساؤلات سيقولون "ويل للشجي من الخلي". وأعلم تماماً أن هناك مبررات على الأرض دفعت لإجراءات استثنائية ربما لم تكن كلها ضرورية، ولكن المسئول يضطر لإتخاذها من منطلق الحيطة والحرص الزائد في ظل وجود معارضة تستخدم العنف الذي وصل لحد الإغتيالات والتفجيرات العشوائية التي تروع الآمنين. ولكن تظل المراجعات ضرورية والتعلم من الدروس المستفادة والتقييم النقدي (وليس التبريري) مفتاح تقدم الأمم والبوابة التي يجب أن تمر بها مصر لبناء دولة ديمقراطية حديثة. ويظل توالي الفرص الضائعة أحد السمات البارزة في المرحلة الانتقالية التي يبدو أن أخطائها مرشحة للزيادة.
ومن هذا المنطلق أقول أنه لو كانت مصر قد تجنبت هذه التساؤلات لتراوحت نسبة الموافقة على الدستور بين 75% و80%، ولقفزت نسبة المشاركة من 38% إلي ما بين 45% و50%، وهي نتيجة كانت ستكون أفضل بالنسبة لخارطة المستقبل، وكانت ستكون أفضل لصورة مصر الخارجية التي تصيبها من النيران الصديقة أكثر مما تصيبها من النيران المعادية.
الإيجابيات
كما أن هناك سلبيات نتمنى إلا نراها في أى انتخابات قادمة، فإن هناك إيجابيات يجب أن نحافظ عليها ونحرص على استمرارها، لاسيما عندما يتم إعمال نصوص الدستور الجديد الخاصة بالمفوضية الدائمة للانتخابات، وأضعها في التساؤلات التالي:
ماذا لو لم يكن هناك رقم قومي لكل مصري؟
وماذا لو يتم العمل ببطاقة الرقم القومي بدلاً من البطاقة الوردية القديمة؟
ماذا لو لم يطبق عد الأصوات في اللجان الفرعية؟
ماذا لو لم يتم الموافقة على وجود مراقبة دولية ومحلية؟
ماذا لو لم يتم إتاحة حق التصويت للمصريين بالخارج وللمقيمين في محافظة غير المحافظة المدونة في بطاقة الرقم القومي؟
ماذا لو لم يكن هناك موقع الكتروني يعرض بشفافية ومهنية معلومات تسهل تصويت الناخبين ومعلومات تعرض نتائج الاستفتاءات والانتخابات وآليات لتسهيل تقديم طلبات المراقبة؟
لو لم تتحقق هذه الإيجابيات لخرج الاستفتاء على الدستور بنسبة مشاركة لا تتجاوز 10% ولحامت شكوك كثيرة حول نتيجته وحول نزاهته.
من المؤكد أن هذه الإيجابيات هي نتيجة لثورة 25 يناير ربما يعتبرها الكثيرون تحصيل حاصل، ولكنها تعني الكثير. صحيح أن الديمقراطية تعني أكثر من مجرد إصلاح النظام الانتخابي وأكثر من مجرد إجراء انتخابات نزيهة، ولكن يمكن النظر إلى هذه المكتسبات باعتبارها شرطاً ضرورياً نحرص على استمراره وإن كان غير كافي للتحول الديمقراطي الذي ننشده.يجب أن نضع قائمة السلبيات التي حدثت خلال الاستفتاء على الدستور – مع كل التفهم لمبرراتها - أمام أعيننا ونحن نُعد لأي إنتخابات قادمة فثوب الشرعية الأبيض لا يحتمل أي بقعاً سوداء.
الشروق