مثل كل عام تعتبر تجربة الثانوية العامة معاناة نفسية ومادية لكل أسرة مصرية تنتهى بامتحانات يشتكى الجميع من صعوبتها، وبعد أسابيع قليلة تظهر نتائج الثانوية العامة لتشير إلى ارتفاع متوال فى الدرجات التى يحصل عليها الطلاب لتشيع الفرحة، وبعد أسابيع قليلة يكتشف الطلاب أن هذه المجاميع المرتفعة التى حصلوا عليها لا تؤدى بالضرورة إلى تحقيق أحلامهم فى الالتحاق بالتخصص الذى يحلمون به لسبب بسيط وهو أن جميع الطلاب من المتفوقين، وأن المجموع الكبير الذى حصلوا عليه لا يعنى الكثير.
لم يكن هذا العام استثناء، بل هو تكرار لأعوام سابقة. والقراءة المتأنية فى نتائج المجموع الكلى للثانوية العامة تشير إلى:
1) نسبة النجاح تزيد على 90%، وهى تقريبا نفس النسبة التى شهدناها خلال السنوات العشر الماضية، مع ملاحظة أن نسب النجاح فى الثانوية العامة كانت فى الأربعين سنة السابقة تدور حول الـ60%.
2) حوالى 13% من الناجحين هذا العام حصلوا على مجموع أكثر من 95%، وهذه النسبة فى ازدياد مستمر، وكانت منذ 10 سنوات 8%، وكانت منذ 40 سنة أقل من 1%.
3) حوالى ثلث الناجحين حصلوا على أكثر من 90%، وحوالى نصف الناجحين حصلوا على أكثر من 85%.
4) نسبة ضئيلة (12%) حصلت من 60% إلى 70%، وأقل من 1% من الناجحين حصلوا على أقل من 60%.
أرجو ألا يظن البعض أن هذا التضخم المضحك فى المجاميع يعكس أى تحسن فى جودة التعليم، لكنه دليل على التردى الذى وصلنا إليه والذى لا يحتاج إلى مزيد من الشرح. وأبسط القواعد المتعارف عليها أن منحنى الدرجات يتبع إحصائيا النمط الطبيعى الذى يحصل بموجبه معظم الطلاب على درجات متوسطة، ونسبة قليلة (ويفترض أن تكون المجموعة المتفوقة) تحصل على درجات مرتفعة، ونسبة مماثلة تحصل على درجات منخفضة، أما هذا المنحنى المعيب للدرجات فهو سُبة إضافية فى حق التعليم المصرى. والغريب أن هذا الارتفاع لا يفيد الطالب فى شىء، بل إنه مضر فى بعض الحالات، وهناك قصص عديدة لطلاب متفوقين فشلوا فى الالتحاق بجامعات أجنبية، لأن هذه الجامعات تشككت فى هذه الدرجات المرتفعة، وخشيت أن تكون شهادات الطلاب مزورة، ولاسيما عندما يقترب الطالب من نسبة الـ100%.
وقراءة النتائج التفصيلية لدرجات الثانوية العامة تثير مزيدا من الحيرة، وعلى سبيل المثال:
1) %52 من الناجحين فى الثانوية العامة حصلوا فى درجة اللغة الأجنبية الثانية على أكثر من 90%، ولا تعليق فى ضوء التردى الشديد فى مستوى اللغات التى يتعلمها طلاب المرحلة الثانوية، وفى ضوء ما يمثله إتقان اللغات من عائق يواجه الشباب المصرى فى الالتحاق بسوق العمل، والحديث هنا عن اللغة الثانية وليس اللغة الأولى!
2) %47 من الناجحين فى الثانوية العامة حصلوا على أكثر من 90% فى مادة الكيمياء، و20% من الناجحين حصلوا على أكثر من 90% فى مادة اللغة الإنجليزية، واختيارى الإشارة إلى هاتين المادتين بالذات نظرا للشكوى التى تداولتها وسائل الإعلام بجميع أنواعها حول صعوبة امتحانى هاتين المادتين، وعلى سبيل المثال نشرت جريدة «الأهرام» فى عددها الصادر فى 11 يونيو 2014، وفى الصفحة الأولى وبمساحة كبيرة، العنوان التالى: «اللغة الإنجليزية تصعق طلاب الثانوية»، وفى يوم 30 يونيو 2014 نشرت جريدة «الأهرام» العنوان التالى: «الكيمياء تُبكى طلاب الثانوية العامة»، ومثل هذه العناوين تواترت فى معظم الجرائد المصرية.
وهنا تلح علىَّ عدة أسئلة:
1) هل يجوز وصف الامتحان بالصعوبة (وهو ما حدث فى حالة امتحان الكيمياء) إذا حصل نصف الطلاب على أكثر من 90% من درجات الامتحان؟
2) هل بالفعل كان الامتحان صعباً، وتعرض المصححون لضغوط للتساهل فى التصحيح، بحيث جاءت النتيجة بهذا الشكل غير المهنى وغير التربوى؟
3) هل إعادة توزيع درجات الامتحان كرد فعل لضغط إعلامى غير مبرر تحقق العدالة بين الطلاب؟
4) هل التقييم الفورى لكل امتحان من امتحانات الثانوية العامة هو من اختصاص وسائل الإعلام؟
5) مع كل التحديات التى تواجه القائمين على إدارة منظومة التعليم أليس من الأفضل أن ينصرف الإعلام عن التغطية المبالغ فيها لامتحانات الثانوية العامة، والتى تثبت كل عام أنها لا تتسم بالمهنية، كما أنها تضر أكثر مما تفيد؟
وفى النهاية، فإن الحديث الذى لا يتوقف عن أن التعليم هو المشروع القومى الأول لمصر يتنافى مع كل ما يجرى على أرض الواقع، فهل من لحظة صدق؟
المصري اليوم