على مدى الشهور التسع الماضية أجرى المركز المصرى لبحوث الرأى العام «بصيرة» استطلاعه الدورى حول الموافقة على أداء الرئيس. وقد تمت هذه الاستطلاعات باستخدام نفس المنهجية سواء فيما يتعلق بتصميم العينة أو صيغة الأسئلة التى يتم توجيهها، كما تمت المحافظة على تنفيذ الاستطلاع فى الأسبوع الأخير من كل شهر لتفادى أى تحيز غير مقصود قد نقع فيه نتيجة لاختيار تاريخ معين قد يرتبط بأحداث تؤثر بالسلب أو الإيجاب على تقييم أداء الرئيس. وتم إجراء الاستطلاعات من خلال مقابلات عبر الهاتف الثابت والهاتف المحمول على عينة من المصريين 18 سنة فأكثر حجمها نحو 2200 مقابلة. وتطبيق نفس المنهجية فى الاستطلاعات المتتالية يُفسح المجال لإجراء مقارنات زمنية، كما يفيد فى التعرف على تأثير الأحداث التى تقع أو القرارات التى تتخذ على شعبية الرئيس. وهذه المقارنات تكون مفيدة لكل من الأغلبية والمعارضة على حد السواء.
ويعتمد استطلاع الرأى العام الشهرى على توجيه سؤالين رئيسيين، الأول حول مدى الموافقة على أداء الرئيس ويتم توجيهه فى الصيغة الآتية «يا ترى أنت موافق ولا مش موافق على أداء محمد مرسى فى شغله كرئيس؟» وقد تجنبنا إمعانا فى الحيدة استخدام صيغة «هل توافق على أداء الرئيس محمد مرسى؟» حتى لا يستدعى تقديم لقب الرئيس صورة الفرعون الرئيس التى ترسخت فى الوجدان المصرى لسنوات طويلة والتى قد تشكل حاجز نفسى يحول دون التعبير الصادق عن الرأى.
أما السؤال الرئيسى الثانى فينصب حول النية فى انتخاب الرئيس وتستخدم الصيغة التالية فى توجيه السؤال «لو كان فيه انتخابات بكره ومحمد مرسى مترشح فيها، هتنتخبه؟ وبالطبع لم يكن هدفنا من عدم تضمين السؤال لفظ «الرئيس» أو «الدكتور» التقليل من شأن صاحب أرفع منصب فى البلاد وإنما تجنب أى صياغة قد تكون إيحائية قد ينتج عنها قدر من التحيز فى النتائج التى نقدمها للمواطن المصرى.
وتأمل نتائج هذه الاستطلاعات على مدى الشهور التسعة الماضية يبرز بعض الملاحظات التى نوردها فيما يلى:
مدى الموافقة على اداء الرئيس
● ارتفاع نسبة الموافقة على أداء الرئيس وبشكل شبه ثابت خلال المئة يوم الأولى من حكم الرئيس، وقد أجريت خلال هذه الفترة أربعة استطلاعات للرأى العام، وبلغت نسبة الموافقين عند نهاية هذه الفترة 78% مقبل 15% غير موافقين وباقى العينة (7%) ذكرت أنها غير متأكدة من تقييمها للرئيس.
● شهدت الشهور الثلاثة الثانية فى فترة حكم الرئيس تراجعا حادا يعزى على الأرجح إلى الإعلان الدستورى المكمل الذى كان بمثابة كارثة على شعبية الرئيس، فقد أظهر استطلاع الرأى العام الذى تم إجراؤه فى نهاية شهر نوفمبر تراجع نسبة الموافقين على أداء الرئيس إلى 57% بانخفاض قدره 21 نقطة، وبالطبع لا يوجد ما يثبت على وجه اليقين أن هذا الانخفاض يعزى بالكامل لإصدار الإعلان الدستورى المكمل، ولكن ترجيحنا يرجع بالدرجة الأولى إلى أن التراجع الذى حدث بعد ذلك عن الإعلان الدستورى المكمل صاحبه إرتفاع فى شعبية الرئيس من 57% إلى 64% فى نهاية شهر ديسمبر.
● شهدت الشهور الثلاثة الثالثة من حكم الرئيس استمرار فى تراجع شعبيته دون أن تشهد تراجعا حادا مع ملاحظة أن الموافقين على أدائه أصبحوا لا يشكلون ولأول مرة الأغلبية المطلقة (49% فى نهاية شهر فبراير و48% فى نهاية شهر مارس).
أظهر استطلاع الرأى العام الذى تم إجرؤه فى نهاية المئة يوم الأولى أن 58% ينوون إعادة انتخاب الرئيس إذا ما تمت انتخابات رئاسية. واتجهت النسبة إلى الإنخفاض فى الشهور الثلاثة الثانية لتصل إلى 43% بعد صدور الإعلان الدستورى المكمل ولترتفع قليلا بعد التراجع عنه لتصل إلى 50% من المصريين موافقون على إعادة انتخابه. وما لبثت هذه النسبة أن تراجعت فى فترة الشهور الثلاثة الأخيرة لتصل إلى 37% فى نهاية الشهر التاسع. يشير النمط السائد فى نهاية المئة يوم الأولى إلى مساندة أكبر للرئيس فى الوجه القبلى وبين الأقل تعليما والأكبر سنا، واستمر نفس النمط طوال الأشهر التسع الماضية بشكل متسق.
على الرغم من أن التراجع فى هذه النسبة طال كل المناطق الجغرافية والشرائح الاجتماعية، فإن التراجع الأكبر كان فى الوجه بحرى وبين أصحاب التعليم المتوسط وبين فئة العمر المتوسطة (30 ــ 49 سنة)، وهو ما يعنى على الأرجح تحول من المساندة إلى المعارضة من قبل الشرائح «المحايدة» أو التى لم تكن فى البداية الأكثر معارضة للرئيس، أى أن زيادة المعارضين لا تقتصر فقط على المحافظات الحضرية والجامعيين والشباب. مع ملاحظة استمرار احتفاظ الرئيس برصيد لا بأس به بين الفئات التى كانت فى البداية الأكثر تأييدا له.
إحدى النتائج الأخرى المثيرة للانتباه، هو تراجع نسبة الذين ينوون إعادة انتخاب الرئيس بين الذين قالوا إنهم انتخبوه فى انتخابات الرئاسة. فقد أظهر الاستطلاع الذى تم فى نهاية المئة يوم أن نسبة من ذكروا أنهم ينوون إعادة انتخاب الرئيس 73% ممن قالوا أنهم انتخبوه فعلا (مقابل 6% قالوا إنهم لن ينتخبوه). وتراجعت هذه النسبة إلى 55% فى نهاية الشهر التاسع من حكم الرئيس محمد مرسى (مقابل 25% قالوا إنهم لن ينتخبوه). وهذه النتيجة والتى تشير إلى انصراف بعض مؤيدى الرئيس تتطلب مزيدا من التحليل لتوضيح ما إذا كان هذا الفصيل هو من المتعاطفين مع التيار السلفى أم مع التيار الليبرالى. ومعرفة ذلك سيكون مفيدا فى التعرف على التغيرات التى يمكن أن تطرأ على الخريطة السياسية فى مصر.
وهو ما ربما تكشف عنه استطلاعات الرأى العام القادمة.
الشروق