استطلاعات الرأى العام حول تقييم أداء الرئيس التى أجراها المركز المصرى لبحوث الرأى العام «بصيرة» بشكل دورى على مدار الأشهر الثمانى المنصرمة منذ تولى الرئيس مرسى مسئولية حكم مصر أظهرت ما يلى:
أولاً: المائة يوم الأولى
1 - أجرى مركز بصيرة ثلاثة استطلاعات للرأى العام أظهرت أن نسبة المصريين الموافقون على أداء الرئيس مرتفعة وبلغت نسبة الموافقة على أداء الرئيس بنهاية المائة يوم الأولى 78% مقابل 15% غير موافقين على أدائه و7% غير متأكدين. وقد رأى كثير من المعارضين واتفق معهم بعض المحللين السياسيين أنها مرتفعة بشكل ملحوظ إذا ما قورنت بنسبة الذين انتخبوا الرئيس والتى لم تتجاوز 52%.
2 - تم توجيه سؤال آخر فى هذه الاستطلاعات وهو سؤال افتراضى عن النية فى إعادة انتخاب الرئيس إذا ما تمت انتخابات رئاسية. وأشارت النتائج فى نهاية المائة يوم الأولى إلى أن 58% يوافقون على إعادة انتخابه و18% لا يوافقون على انتخابه و24% غير متأكدين، أو ذكروا أن قرارهم يتوقف على المرشحين الآخرين. ونسبة الـ 58% الموافقة على إعادة انتخاب الرئيس فى هذا التوقيت تزيد عن النسبة التى حصل عليها فى الانتخابات.
3 - تفسير الفجوة بين نسبة الذين انتخبوا الرئيس ونسبة الراضون عن أدائه بعد مرور مائة يوم لها عدة تفسيرات محتملة أسوقها على عجل وهى: (1) رضا المصريين عن التغير فى توجهات السياسة الخارجية من زيارات خارجية وتصريحات تدغدغ مشاعر المصريين وتعيد إلى أذهانهم دور مصرى أقليمى مؤثر، (2) إجراء تغييرات فى قيادة القوات المسلحة فى وقت كانت القوات المسلحة تعانى من صورة ذهنية سلبية وهو ما لاقى ارتياح من شريحة كبيرة من المجتمع ورآه البعض أشبه (مع الفارق) بثورة التصحيح التى قام بها الرئيس السادات، (3) اعتبر جزء كبير من الشعب المصرى والذى لايوجد بالضرورة بينه وبين الأخوان المسلمين تناقض فكرى أن من حق الرئيس المصرى أن يحصل على شهر عسل أو فترة سماح قبل أن يخضع للحساب.
تشير نتائج استطلاعات الرأى العام التى أجراها مركز بصيرة فى خلال المائة يوم الثانية إلى أن المنعطف الرئيسى فى منحنى شعبية الرئيس تمثل فى الإعلان الدستورى المكمل والذى صدر فى 21 نوفمبر لينذر بحالة استقطاب حادة ظهر فيها المجتمع المصرى وقد انقسم على نفسه إلى فصيلين. فقد تراجعت نسبة الموافقة على أداء الرئيس إلى 57% بعد مرور 5 شهور من بداية توليه منصب الرئاسة بفارق 21 نقطة مئوية عن نسبة الموافقة التى تم تسجيلها بنهاية المائة يوم الأولى من الرئاسة. ثم ارتفعت إلى 63% بعد مرور ستة شهور وربما يرجع ذلك إلى التراجع عن بعض ما جاء فى الإعلان الدستورى وهو ما أشاع قدر من الارتياح ولكن لم يزيل إلا جزءا من الضرر.
ومن جهة أخرى أظهر عدد من استطلاعات الرأى التى تتناول موضوعات غير سياسية تكريس هذه الظاهرة. ومن ضمن هذه الاستطلاعات، الاستطلاع الذى تم اجراؤه حول توجهات المواطن المصرى نحو حصول مصر على قرض صندوق النقد الدولى. وكانت النتائج مثيرة للدهشة حيث أظهرت موافقة طاغية لأنصار الرئيس للحصول على القرض وهو موقف يحمل فى طياته غلبة الالتزام السياسى على الشبهات الشرعية التى كان موافقوا اليوم يعلنونها صراحة فى الأمس. وفى المقابل رفض المعارضون للرئيس حصول مصر على القرض وهو ما يحمل على التوازى غلبة روح التربص على منطق الأمور وهو منطق كان يحكم مواقفهم من الاقتراض فى الماضى القريب.
وحذر الكثيرون من تفاقم حالة الاستقطاب فى المجتمع المصرى والتى ستحول دون توافر الحد الأدنى من التوافق للمضى إلى الأمام، ليس فقط فيما يتعلق بالقضايا السياسية الكلية مثل الدستور والانتخابات البرلمانية، وإنما أيضاً فيما يتعلق بالمسار الاقتصادى وتطبيق العدالة الاجتماعية وبناء آليات الحوكمة وإصلاح التعليم، وهى مجالات الخلاف فيها بين الفرقاء أقل حدة إذا ما قورنت بالمجالات السياسية. وما بين محاولات الأغلبية فى فرض الأمر الواقع دون الالتفات إلى تزايد المعارضة الشعبية، ومحاولات المعارضة لإثبات أنه لا يمكن تجاهلها وأنها تستطيع شل الحركة حتى لو لم يكن لديها الأغلبية المطلقة فى الشارع دخلت مصر إلى المائة يوم الثالثة.
ثالثاً: المائة اليوم الثالثة:
تميزت بداية المائة يوم الثالثة بظهور منظم للمعارضة تمثل فى تشكيل جبهة الإنقاذ والتى ضمت رموز المعارضة. وبدت الصورة كما لو أن الخريطة السياسية فى مصر يعاد تشكيلها وأن حالة الاستقطاب الحادة أفرزت أرضية مشتركة للمعارضة للاصطفاف معاً. وكان من الواضح أن المعارضة المنظمة يمكنها أن تستفيد من تردى الأوضاع الاقتصادية للوصول إلى شريحة واسعة من الشعب المصرى بعد أن تمكنت من الوصول إلى النخبة المصرية بفضل بعض الإخفاقات السياسية للأغلبية الحاكمة.
وفى ظل هذه المستجدات قام مركز بصيرة باستطلاع للرأى العام حول جبهة الإنقاذ وكانت النتائج مفاجئة حيث أظهر الاستطلاع أن ثلث المصريين لم يسمعوا بجبهة الإنقاذ وأن نصف من سمعوا بها لا يؤيدونها. وعلى التوازى أظهرت استطلاعات الرأى العام تراجع نسبة الموافقين على أداء الرئيس إلى 49% وهى المرة الأولى التى تكسر حاجز الـ 50% ولتهبط نسبة من ينوون انتخابه إذا ما جرت انتخابات رئاسية إلى 35% مقابل 47% لا ينوون انتخابه. وهنا تكمن الإشكالية، فإن حالة الاستقطاب التى سادت المائة يوم الثانية لم تستمر ولم تحسم لصالح أحد الأطراف وهو عادة ما يحدث فى الديمقراطيات المستقرة. وبدلاً من ذلك ظهرت هناك مساحة خاوية فى الخريطة السياسية.
وخلاصة القول إن مصر انتقلت من حالة شهر عسل إلى حالة استقطاب سياسى إلى حالة فراغ سياسى.
والسؤال الذى يطرح نفسه بقوة ماذا سيحدث فى الأسابيع القادمة؟
هل ستستطيع مؤسسة الرئاسة استعادة شعبياتها وملء المساحة الشاغرة فى ظل تحديات أمنية واقتصادية وانسداد فى قنوات التواصل؟
هل ستستطيع جبهة الإنقاذ النفاذ إلى المواطن وكسر العزلة التى ربما نتجت عن خطاب نخبوى لايجد فيه رجل الشارع ضالته؟
هل ستتمكن قوى سياسية أخرى من أحزاب تيار الإسلام السياسى من ملء الفراغ ومن ثم تثبت أقدامها لتصبح البديل السياسى الأوفر حظاً؟
هل ستتمكن قوى شباب الثورة من إعادة تنظيم صفوفها لتستعيد دوراً فى ثورة شاركت فى صنعها ولم تقطف ثمارها؟
هل ستجد القوات المسلحة نفسها مسئولة معنوياً عن اللجوء إلى أبغض الحلال إذا ما تزايد الفراغ السياسى وتدهورت الأوضاع الأمنية وأصبح الأمن القومى مهدداً؟
وفى النهاية يبقى السؤال من سينام على الوسادة الخالية؟
الشروق