تحدث الرئيس عبد الفتاح السيسى بصراحته المعهودة عن المسألة الاقتصادية التى نلمسها كل يوم سواء كنا فقراء أو أثرياء.. وتعانى منها الأغلبية عندما تشترى قوت حياتها من الفول والعدس والطماطم والخيار.. ولا نقول : البتلو والاستاكوزا والكافيار ! ناهيك عن ارتفاع أسعار الوقود والخدمات والمواصلات ! . ومثلا : إذا كان المهندس شريف اسماعيل رئيس مجلس الوزراء قد ذكر أنه توجد فكرة لزيادة ثمن تذكرة مترو الأنفاق.. فإن وسائل المواصلات الأخرى الخاصة ـ من الكارو إلى الحنطور.. ومن التوك توك إلى الأوبر ـ وماأدراك بالأوبر ! ـ قد سبقت ورفعت أسعارها بطرق مختلفة !.. وإذا كان البعض يتندر بأن بائعة الفجل والجرجير وماشابه قد رفعت هى الأخرى أسعار ماتبيعه وتقول : «شوفوا الدولار بقى بكام؟» .. فإنهم مخطئون !.. بالضبط كما يخطيء المحللون الاقتصاديون عندما يطالبون بتثبيت أسعار السلع والمنتجات المحلية !.. ذلك ان هؤلاء وأولئك قد تناسوا أسبابا عديدة أهمها أن كثيراً من الانتاج الوطنى الزراعى والصناعى والخدمى يعتمد فى جزء منه، على المدخلات ومستلزمات الإنتاج المستوردة.. وإن الذين يديرون هذا الانتاج الوطنى من منتجين ووسطاء !! وبائعين ـ يحتاجون فى حياتهم إلى المنتجات والخدمات الأخرى مرتفعة الثمن.. ومن ثم فإنهم يرفعون الأسعار للحصول على فرق زيادة أسعار احتياجاتهم ـ
وإذا أضفنا الى الأمثلة البسيطة التى ذكرناها، وتحدثنا عما يعرفه الجميع مثل أسعار الوحدات السكنية ـ ومصروفات المدارس والعملية التعليمية ـ والملابس ولوازمها ـ والغاز والمياه والكهرباء وغيرها.. وغيرها.. فإننا نجد أنفسنا بحق فى موقف اقتصادى صعب كما تحدث الرئيس فى خطابه المهم عند افتتاح مشروع البتروكيماويات ـ الاسكندرية 13 أغسطس ـ وهذا أمر يحتم احتشاد الجميع للعمل..لكن : كيف يكون العمل والتعامل ؟ وكيف نواجه هذا الموقف العسير ؟؟
ولكى نفهم وببساطة فان الدولة ـ أى الوطن بالجغرافيا والتاريخ والبشر ـ كائن حي، وأعظم الكائنات هو «الانسان» فاذا ماأنفق الانسان أكثر من دخله المادي، حدثت الفجوة بين مصروفاته وإيراداته.. ويضطر للاقتراض فإذا لم يعمل على زيادة إيراداته.. يقع فى متاهات قد تلحق به أشد الضرر !!
وبلغة الأرقام ـ وحسب بيانات مركز بصيرة ـ فان الدولة المصرية قامت بتصدير سلع ومنتجات إلى الخارج فى العام الماضى 2015 ـ بلغت قيمتها 21٫4 مليار دولار.. وفى العام نفسه فإنها استوردت من الخارج بما قيمته 74٫4 مليار دولار. أى أننا أنفقنا ثلاثة أضعاف ونصف ضعف إيرادنا.. !؟
ولمزيد من التفاصيل فان إجمالى الصادرات عام 2011 كان 31٫6 مليار دولار أى بزيادة نحو خمسين بالمائة عن صادرات العام الماضى فى مقابل ان الواردات كانت بقيمة 62،3 مليار دولار عام 2011 أقل بنحو خمس عشرة فى المائة من العام الماضي. وبالطبع فإننا نفهم فترة الاضطراب التى كانت فيها مصر، لكننا فى الوقت عينه لا نستطيع تبرئة الذين توقفوا عن الانتاج وعرقلوا التصدير بينما نشطوا فى الاستيراد سعيا وراء الربح السريع والكثير !!. وهل من المعقول أننا فى العام الماضى لم نصدر الى كل دول آسيا ـ.
و.. هنا.. فإننى بصدق وصراحة ـ أوجه الاتهام إلى الحكومة الحالية ـ وأيضا الحكومات السابقة على مدى العشرين عاما الماضية ـ ذلك أنها فى مواجهة عجز الموازنة وتضخم الديون المحلية والأجنبية وسباق العملات الحرة، تفضل اللجوء إلى الأسلوب السهل ومعه : «الجباية» فرفعت الأسعار وفرضت الضرائب واستحدثت الجديد، ليس فقط مايسمى «القيمة المضافة» ـ التى بلا مبرر ! ـ وإنما غيرها بدءا من اختراع يوسف بطرس غالي، وهو الضريبة العقارية.. غير الدستورية، فالضريبة تكون عند انتقال الملكية بالبيع والشراء.. وليست قضاء وقدرا تصيب المواطن.. بقرار من وزير المالية !؟ وأصبح شعار يوسف بطرس غالى مرفوعا : «اللى ممعهوش .. يسكن العشوائيات وبغير استطراد.. مع ان فى الفم ماء كثير.. فإنه توجد حلول بديلة عن الجباية، وتحافظ على المواطن واستقراره وترقيته بغير قهر أو تعذيب !.
ونبدأ بضرورة وضع استراتيجية حاكمة متفق عليها سلفا ولهذا قلنا فى مقال ـ منشور فى هذا المكان ـ عند تشكيل الحكومة إن «الرؤية» مهمة أولا لتحديد ماستفعله.
وفى ضوء هذا فان الاستراتيجية المقترحة يتحتم ان يكون لها عنوان حاكم معبر عن أهدافها وهو: «الانتاج الوطنى حياة.. والتصدير مصير».. وبداية فان المشروعات الكبرى التى تنفذ الآن.. مهمة جداً وتعد أساسات للبناء الوطني، غير انه يجب على الحكومة ان تنشط وبأساليب غير تقليدية فى تعظيم الانتاج الوطنى بمختلف مستوياته مع تطويره.. والاهتمام بالتصدير واعتباره بالفعل مصيراً.. يجلب العملات الحرة ويضع الدولار فى حجمه الحقيقي، ويسترد كرامة الجنيه ! فضلا عن الاسهام فى سد العجز.. وتسديد الديون.
ولقد يتساءل بعض المتشائمين.. عما اذا كان لدينا ما نصدره ؟
وأجيب : نعم.. لدينا. فانه ليس معقولا ولا مقبولا ان نصدر إلى دول الاتحاد الأوروبى بما لا يزيد على ستة مليارات دولار بينما نستورد منها ماقيمته نحو أربعة وعشرين مليار دولار علما بأن دول شرق أوروبا غير محسوبة فى هذا الرقم كما لا تدخل فيه قيمة مشتريات آلاف المصريين الذين يسافرون ويجيئون من أوروبا ومعهم سلع عديدة «بصحبة راكب» . ومن ثم فانه من الضرورى العمل وفوراً الى مضاعفة الصادرات الى أوروبا وخاصة الآن حيث قالت البحوث الميدانية ـ وأكدها لى أصدقاء عادوا منها أخيرا ـ إن الأسعار فى الأسواق الأوروبية مرتفعة جداً.. ومنها الصناعات الجلدية فان الحذاء العادى جداً لا يقل سعره عن مائتى يورو أى نحو ثلاثة آلاف جنيه ! والـ تى شيرت.. لا يقل سعره عن أربعين يورو أى نحو ستمائة جنيه.. وتلك هى الحدود الدنيا.. والسبب يرجع الى ارتفاع تكلفة الانتاج فى أوروبا.. وتراجع الانتاج والتصدير فى ومن الدول التى كانت تصدر إلى أوروبا ـ تركيا مثلا ـ نتيجة لأحداث واضطرابات السنوات الأخيرة.. ومن ثم .. فان الأسواق الأوروبية فى حاجة الى الصناعات المصرية سواء الجلدية أو الملابس الجاهزة.. ولنا بها خبرة وإن كانت تحتاج الى تطوير وتحديث.. وهذا ميسور إن توافرت البنية !
وإذا انتقلنا إلى السياحة فانها تحتاج الى مساحة كبيرة.. لكن وفى عجالة فإننا لم نجذب العرب كما ينبغى ولن نوظف إمكاناتنا بالأساليب اللائقة..
و.. اختصاراً فانه توجد للسياحة ألف فكرة وفكرة.. لكن المشكلة ان بعض المسئولين عنها وبعض العاملين فيها يتصورون أنهم أباطرة وانهم وحدهم.. الفاهمون العارفون !! ولكنى بسرعة أشير إلى بعض العناوين ومنها مثلا : كيف اهتموا بالسياحة الدينية ؟ إن الموالد والمهرجانات التى تقام ـ فى توقيتات محددة ـ حول أضرحة آل بيت الرسول (صلى الله عليه وسلم) وأولياء الله الصالحين.. تحظى باهتمام كبير لدى كل مسلمى العالم لكن لا أحد يهتم بتنظيم الزيارة والسياحة، وبتطوير هذه الاحتفالات بالتنسيق مع الجهات المعنية.. وأخيراً.. فالمساحة لا تطول.. إن الطريق الاقتصادى صعب فعلا لكنه ليس مسدوداً.. فقط علينا أن نفكر ونعمل فى أكثر من اتجاه.. بدلا من أسلوب الجباية الذى يخنق المواطنين.. والله الموفق والمستعان.
الإهرام