أميل عادة للاعتماد على الاستطلاعات المصرية فى رصد أحوال المجتمع وتقلباته، ربما لأن المجتمع المصرى نفسه صار متقلبا أكثر من اللازم، وربما لأن شروط الاستقلالية المفترضة فى أى استطلاع تصبح «مفتقدة» عندنا، لكنى هنا سأولى اهتماما بالاستطلاع الذى أجراه مركز «بصيرة» حول ردود أفعال المصريين حول جزيرتى تيران وصنافير وأزمتهما المثارة منذ أوائل الشهر الحالى، بسبب قرار الحكومة المصرية منحهما للحكومة السعودية، تحت زعم أنهما ملك للمملكة، وأن مصر كانت تديرهما فحسب، وسبب اهتمامى بهذا الاستطلاع هو الحاجة الماسة لقراءة متأنية لهذا الملف المربك، خاصة بعد أن شهد التناول الإعلامى لهذه القضية قدرا كبيرا من القصف المعلوماتى الموجه، بدرجة أوقعت ملايين المصريين فى حالة ارتباك حقيقية، كان من آثارها أن أقر الاستطلاع بأن النسبة الكبرى من المستفتين حول القضية أكدوا أنهم حتى الآن لا يعرفون إن كانت الجزيرتان مصريتين أم سعوديتين، فما يقوله الإعلام الرسمى شىء، وما تقوله بعض مواقع الإنترنت والتواصل الاجتماعى شىء آخر، ولو كان الأمر متروكا للإعلام الرسمى لأقر الشعب بأنهما سعوديتان، وهو الأمر الذى لم يحدث. أرقام مهمة تضمنها الاستطلاع، فبعدما رصد حيرة الشعب المصرى حيال تبعية الجزيرتين، مؤكدا أن %31 من المصريين لا يعرفون حتى الآن حقيقة تبعية الجزيرتين لمصر أم للسعودية، أكد أيضا أن النسبة الكبرى التى تلى وصف حالة الارتباك هى للمعترضين على قرار منح السعودية الجزيرتين، حيث بلغت النسبة %30 ممن شملهم الاستطلاع، تليها من يعتقدون أن الجزيرتين سعوديتان بنسبة %23، وفى النهاية تأتى نسبة من لا يعلمون شيئا عن الأمر برمته لتبلغ %16 وهذا الرقم تحديدا أرى أنه رقم غير واقعى، فمن الصعب أن تكون هذه النسبة حقيقية، وأغلب الظن أن غالبية الذين قالوا إنهم لا يعلمون شيئا عن الجزيرتين كانوا يعلمون لكنهم ادعوا خلاف ما يعتقدون لحرصهم على ألا يتحدثوا «فى السياسة» لأسباب تخصهم.
المعلومة الأخطر التى يذكرها الاستطلاع هى أن الشباب كانوا أكثر ميلًا لاعتبار الجزيرتين مصريتين مقارنةً بالأكبر سنًا، ويذكر الاستطلاع أنه «بسؤال المستجيبين الذين لم يوافقوا على الطريقة التى تم بها اتخاذ قرار أمر الجزيرتين عن الطريقة التى كان من المفترض اتباعها، أجاب %31 بأنه كان يجب استفتاء الشعب قبل اتخاذ القرار، و%30 أجابوا بأنها أرض مصرية وكان يجب ألا يتم التفريط فيها».
الأرقام السابقة تؤكد أن المعركة التى خاضها البعض من أجل إقناع الناس بأن الجزيرتين سعوديتان باءت بالفشل، وأن الفيس بوك والمواقع الإلكترونية هزمت الإعلام المعترف به مرة أخرى، وهى نتائج لم يذكرها الاستطلاع لكن يمكننا استنتاجها بقراءة المشهد الإعلامى الراهن، وهذا أمر يجب أن يضعه الجميع نصب أعينهم.
اليوم السابع