فى مساء 25 أبريل الماضى، أبلغ ضباط الأمن المنتشرون على كل شبر من الأرض، قياداتهم العليا بأن الأوضاع تحت السيطرة، وأنه لم يتم السماح لأحد بالتظاهر، أو رفع راية احتجاج واحدة، وأن الميادين مليئة فقط بالمؤيدين، الذين ظلوا يهتفون ويرقصون ويغنون حتى ساعات متأخرة من الليل، فى الوقت نفسه كان الإعلاميون والصحفيون والسياسيون الموالون للنظام، يطلون على الشاشات وعلى وجوههم ابتسامة عريضة، وتحدثوا بسخرية بالغة عن الهزيمة الساحقة التى لحقت بالشباب المخالف، الذى حاول إفساد فرحة الشعب بذكرى تحرير سيناء.
بالتأكيد ما حدث فى 25 أبريل، لم يكن هزيمة ساحقة لمن أراد التظاهر ولم يستطع، لكنه «انتصار زائف» لمن استدعى عصا الأمن الغليظة، حتى لا يسمع صوتا مخالفا فى قضية لا تخص حكومة أو سلطة ما، وإنما تتعلق بحق الشعب وحده فى قبول أو رفض مبدأ التنازل عن أى شبر من الأرض المصرية تحت أى مبرر.
هناك شواهد كثيرة تدل على ان ما حدث فى ذلك اليوم، لم يكن هزيمة ساحقة لقطاع عريض من الشعب، أو أن القضية سيتم اغلاقها إلى الأبد بعد الفشل فى الحشد، منها ما ذكره تقرير «مؤشر الديمقراطية»، عن قيام المواطنين بتنظيم 23 احتجاجا يوم 25 أبريل تنوعت بين تظاهرات ومسيرات ووقفات احتجاجية فى 10 محافظات، رغم التضييق الأمنى والحشد الإعلامى المضاد من الحكومة بشكل غير مسبوق. أما جبهة الدفاع عن متظاهرى مصر، فقالت إن عدد المقبوض عليهم أو الذين تم استيقافهم، منذ «جمعة الأرض» 15 أبريل، وحتى الآن بلغ 1277 حالة، أطلق سراح 619 منهم وتوجيه الاتهام لـ577 آخرين، فيما لم يستدل على الموقف القانونى لـ81.
كذلك هناك استطلاع مهم للرأى، أجراه المركز المصرى لبحوث الرأى العام «بصيرة» حول هذه القضية، وشارك فيه 1541 مواطنا من مختلف الفئات العمرية، حيث اكد الاستطلاع ان 30 % من المواطنين يرون ان الجزيرتين مصريتان، و23 % يرون أنهما تابعتان للسعودية، و31 % من المصريين لا يعلمون جنسية الجزيرتين، و16 % لم يعلموا أى شيء عنهما.
المجلس القومى لحقوق الإنسان، أصدر بيانا من جهته حول ما حدث يوم 25 أبريل، ورصد التجاوزات الأمنية التى حدثت فيه، مثل القبض العشوائى على عدد كبير من المواطنين، ومحاصرة نقابتى الصحفيين والأطباء ومنع دخول أعضائهما، وكذلك محاصرة مقرى حزبى الكرامة و الدستور، وأشار إلى ما أسماه بـ«المفارقة الكبيرة»، التى تمثلت فى«إتاحة الفرصة للمواطنين للتظاهر، وحمايتهم أثناء تجمعهم فى بعض الميادين للاحتفال بتحرير سيناء، فى الوقت الذى حرم فيه مواطنون من التعبير عن رأيهم فى قضية تمس الوطن وهى مصير جزيرتى تيران وصنافير، رغم إعلانهم أنهم يرفضون مشاركة أى قوة طائفية أو إرهابية فى هذه التجمعات».
هذه الشواهد مجتمعة، اضافة إلى ما حدث فى«الميادين المحبة»، من ممارسات مست الشعور والكبرياء والكرامة الوطنية، مثل رفع اعلام دولة شقيقة، والحديث المبتذل عن امكانية اهدائها «الهرم وأبو الهول وأم الهول»، لا يمكن أبدا ان توضع فى خانة انتصار لطرف على حساب طرف آخر، وإنما خسارة للجميع، وتعميق للانقسام فى المجتمع بشأن قضية يفترض أنها جامعة لا مفرقة بين أبناء الشعب الواحد.
من يراهن على عنصر الوقت لكى ينسى المصريون أمر الجزيرتين«واهم»، ومن يعتقد أن الحشود المصطنعة فى «ميادين المحبة» رخصة للتنازل عنهما «مخطئ»، ومن يعتقد أن عصا الأمن كفيلة بإسكات صوت الاحتجاج بشأن قضية تتعلق بالسيادة والتراب والكبرياء الوطنى، لم يتعلم من دروس التاريخ القريب.. فالجزيرتان ستبقيان مصريتين فى وجدان المواطنين حتى لو تم تسليمهما للسعودية.. غد
الشروق