فى أى برلمان يحترم نفسه ويحترم شعبه لا يتم إعلان نتيجة أى تصويت بعبارة «موافقة بالأغلبية» وإنما يتم إعلانها بالأرقام فتقول النتيجة إنه تم تمرير القانون بـ«موافقة كذا عضو» و«رفض كذا عضو» و«امتناع كذا عن التصويت».
ولكن لأن ربنا ابتلى مصر بعد ثورة مجيدة فى 25 يناير 2011 وموجة ثورية تصحيحية لها فى 30 يونيو 2013، ببرلمان وجه بوصلته نحو السلطة التنفيذية يسعى إلى إرضائها وتلبية رغباتها بكل السبل، فقد تجاهل أنه تم تجهيز قاعة مجلس نوابنا الموقر بمعدات التصويت الإلكترونى حتى نلحق بركب البرلمانات المحترمة التى تظهر فيها نتيجة التصويت رقميا وبدقة كاملة ونخرج من دائرة «موافقة» الشهيرة التى يطلقها رئيس المجلس دون حتى النظر إلى القاعة.
والحقيقة أن إصرار الاستاذ الدكتور على عبدالعال استاذ القانون الدستورى فى جامعة عين شمس ورئيس مجلس النواب الموقر على تجاهل التصويت الإلكترونى ينطوى على «جريمة إهدار مال عام»، لأن الدولة أنفقت ما يقرب من 10 ملايين جنيه من أموال دافعى الضرائب لتجهيز قاعة المجلس بنظام التصويت الإلكترونى بحسب ما نقلته الزميلة «اليوم السابع» عن وزير العدالة الانتقالية السابق إبراهيم الهنيدى، وبالتالى، فإن عدم استخدام هذه التجهيزات حتى وإن كانت اللائحة البرلمانية تسمح بذلك يمثل إهدارا لموارد تم إنفاقها على التجهيزات.
فى الوقت نفسه، فإن الاعتماد على التصويت بالوقوف أو رفع الأيدى وعدم استخدام التصويت الإلكترونى رغم وجوده، يفتح بابا واسعا ومشروعا للطعن فى مصداقية التصويت وبالتالى مشروعية القوانين التى يقرها البرلمان وبخاصة تلك المكملة للدستور التى تحتاج إلى نصاب قانونى محدد وليس مجرد الأغلبية المطلقة لتمريرها.
فقانون «رؤساء الهيئات القضائية» الذى تم تمريره فى لحظات والتصديق عليه ونشره فى الجريدة الرسمية فى ساعات قليلة، كان يحتاج إلى موافقة ثلثى عدد أعضاء مجلس النواب وليس فقط أغلبية الحاضرين أى إلى 398 عضوا، وهو ما كان يحتم التصويت عليه إلكترونيا وليس بالوقوف والقعود لكى يطمئن قلب الشعب إلى حصوله على الأغلبية الحقيقية المطلوبة.
للأسف الشديد ممارسات مجلس النواب الموقر منذ انطلاقه وموافقته على مئات القوانين خلال أول أسبوعين لانعقاده بكل ما كان فيها من قوانين بالغة الخطورة، لا تدعو للتفاؤل. وفى كل موقف يصر البرلمان على تأكيد أن قبلة أغلب أعضائه هى السلطة التنفيذية وليس الشعب الذين يدعون أنهم جاءوا إلى البرلمان بأصواته.
هذه الممارسات، تؤكد أن عدم استخدام نظام التصويت الإلكترونى أمر مقصود، يستهدف تمرير القوانين المطلوبة وربما المفروضة بدون أى صعوبة وبدون الالتزام الصارم بضوابط التصويت على القوانين المكملة للدستور.
للأسف الشديد، يتحمل الشعب فاتورة اقتصادية ضخمة وفاتورة سياسية أضخم بسبب ممارسات هذا البرلمان الذى يتفنن فى خدمة السلطة التنفيذية حتى إذا كان ذلك على حساب الشعب أو السلطات الأخرى أو حتى الدستور، سواء بإصدار قوانين مشكوك فى دستوريتها ومثيرة للجدل، أو بتجاهل قضايا أكثر أهمية للناس.
المفارقة أن غالبية أعضاء البرلمان الذين يدورون فى فلك السلطة التنفيذية تحت شعار «دعم مصر أو حب مصر» يتحدثون عن محاولات التشكيك فى البرلمان وهدم السلطة التنفيذية فى حين أن ممارساتهم هى الأخطر على مصداقية هذا البرلمان وربما مصداقية نظام الحكم ككل، وهو ما ظهر فى نتائج استطلاع رأى المركز المصرى لبحوث الرأى العام «بصيرة»، التى كشفت عن فقدان البرلمان للرضا الشعبى حيث لم تزد نسبة المواطنين الموافقين على أداء البرلمان عن 30%، مقابل 37% غير موافقين، و33% لم يستطيعوا الحكم على أدائه.
الشروق