تيران وصنافير مصريتان، قولا واحدا، بحكم قضائى نهائى وبات، وبحكم الشعب الذى قال 11% منه فقط إنهما سعوديتان وفقا لاستطلاع رأى مركز بصيرة الذى لا نعرف أنه ضد الحكومة أو السلطة.
فقد تطوع «فقهاء السلطان» المصريون ورسموا صورة لمصر ستتندر عليها البشرية أبد الدهر. فلأول مرة ترى البشرية «فقيها دستوريا» مصريا مزعوما يقول إنه قام بدراسة قانونية أثبتت سعودية الجزيرتين وكأنه مستشار فى الديون الملكى السعودى أو مستشار لوزارة الخارجية السعودية وليس مصريا كان يفترض أن يستهدف بدراسته حشد الأدلة التى تؤكد أحقية مصر فى الجزيرتين.
ولأول مرة ترى البشرية «فقيها تاريخيا» مصريا مزعوما يتجاهل حقائق التاريخ ويلوى عنق الحقائق ليس لكى يؤكد أن لبلاده حقا فى هذه الأرض ذات الأهمية الاستراتيجية والسياحية، وإنما لكى يؤكد أنها ملك للجارة السعودية، فيقول إن مصر احتلت الجزيرتين عام 1950 بطلب من السعودية صاحبة السيادة والحق فيهما، مع أن الوثيقة التى يستند إليها هى برقية أرسلها الملك عبدالعزيز آل سعود بتاريخ 17/1/1950 إلى وزارة الخارجية المصرية نصها كالآتى: «فى مدخل خليج العقبة جزيرتان هما تيران وصنافير وكان قد جرى بحث بشأنهما بيننا وبين مصر قديما، وليس المهم أن تكونا تابعتين لنا أو لمصر، وإنما المهم اتخاذ الخطوة السريعة لمنع تقدم اليهود إلى هاتين الجزيرتين». أى إن ملك السعودية نفسه لم يقل إنهما سعوديتان ولم تخضعا للسيادة السعودية أبدا ويطلب من مصر احتلالهما والسيطرة عليهما وهو ما حدث وتم رفع العلم المصرى عليهما وليس العلم السعودى ولا حتى العلمين معا دون اعتراض من السعودية.
ولأول مرة ترى البشرية «فقيها جيولوجيا» يقول إن التكوين الجيولوجى يمكن أن يثبت سيادة ويرسم حدودا بين الدول، فيدعى أن التكوين الجيولوجى للجزيرتين يؤكد سعوديتهما، مع أن هذا المنطق المختل ينقل السيادة على شبه جزيرة سيناء إلى كل من إسرائيل وفلسطين لأنها جيولوجيا تابعة لقارة آسيا، وأن الصحراء الغربية هى جزء من ليبيا باعتبارها امتدادا للصحراء الإفريقية الكبرى، وهكذا.
ثم يخرج علينا «فقيه استراتيجى» وقيادى فى مجلس النواب ليقول إن «مصر لن تخسر شيئا بإعادة الجزيرتين إلى السعودية» مع أن أى شخص لديه الحد الأدنى من الدراية يدرك أن التنازل عن جزيرة تيران بشكل خاص سيكبد الأمن القومى المصرى خسائر لا يمكن تعويضها، لأن هذه الخطوة ببساطة ستحول ممر تيران إلى مياه دولية لا تستطيع مصر ولا السعودية غلقه أمام إسرائيل إذا ما جد جديد من عدوانها المتواصل على أمننا القومى.
وتكتمل المأساة والصورة العبثية لمصر التى رسمتها السلطة المصرية ومن والاها من رجال الإعلام والسياسة، عندما نرى الهدوء الذى يصل إلى حد الصمت من جانب السعودية وكأن الأمر لا يعنيها وكأنها تدرك أن لها رجالا فى مصر يخوضون معركة «تقديم الأرض» لها على «طبق من فضة».
وأخيرا أقول لأعضاء مجلس النواب، انظروا إلى بريطانيا التى تتشبث بالسيادة على جزر فوكلاند التى تبعد عنها بأكثر من 12.8 ألف كيلومتر، وتتشبث بالسيادة على جبل طارق الموجود فى حضن إسبانيا، وانظروا إلى تشبث إسبانيا باحتلال مدينتى سبتة ومليلة المغربيتين نظرا لأهميتهما الاستراتيجية. وأخيرا انظروا كيف تشبثت إسرائيل بمنطقة طابا وهى تعلم علم اليقين أنها مصرية ولم تتركها إلا بعد أن «طلعت عين أبونا» أكثر من 7 سنوات ثم اللجوء إلى التحكيم الدولى، وذلك لأن الأمر بسيط جدا وهو أن «الأرض عرض» والتخلى عنها خطيئة حتى لو لم تكن صاحب حق، فماذا إن كنت صاحب حق لا سبيل إلى الطعن فيه كما هو الحال فى حق مصر فى تيران وصنافير
الشروق